عندما أُصاحب الجماد

مخدتي هي الوحيدة التي تمسح دموعي، وهي الوحيدة التي تتحمل بكائي المُتكرر،  و الجميل أنها لا تحتج عندما أجعلها مبللة. و لا يوجد من يحتضنني غير مخدتي فحتى أبي يخجل في منحي شعوراً أفتقده وأحتاج له بشدة. للأسف عقده النفسية لا تسمح له بمنح أحضان أبوية لإبنه المجروح.

أما سريري فأثق به  كثيراً لأنه ملاذي الوحيد حين أشعر بالحزن. يحتضنني بصمت و كأنه يرجو مني البكاء لأرتاح، أمسكه بقوة، لكنه لا يشتكي أبداً. دائماً يشعرني بالأمان و لا يتردد في منحي الحنان و لم يسبق له أن تسبب في سقوطي، لذلك أثق به كثيراً .

القلم هو الوسيلة الوحيدة التي تسمحُ لي بالتعبير بكل حرية، و الورق يتقبل دائماً كل ما أخطهُ عليه، و لا يضع لي شروطاً لتُقيد أصابعي أو لتضع حداً لأفكاري، إنه يشارك معي في جريمتي بكل جرأة، فقط لأنه يحب أن أكتب عنها. و بالتالي يصبح القلم شريكاً 
في الجريمة لأنه اختار التستر لكنني سأفضح كل شيء و سأعترف بجرائمي.

أما المرآة فهي تسمح لي برؤية نفسي و معرفتها على حقيقتها بدون نفاق أو خداع، و هي الوحيدة التي تظهر لي محاسني و إيجابياتي و كذلك تهديني مساوئي و عيوبي، لأتمكن من تغييرها.

لا أعرف ماذا حصل لي بالضبط ؟ كل ما استنتجته هو أنني وجدت نفسي وحيداً، و كل من أعرفهم و أثق بهم اختفوا فجأة دون توديعي. أما عائلتي، أبي، أقربائي، و بعض زملائي فمللت أجسادهم،  و لم يبقى لي في الأخير سوى الجماد لأصاحبه و لأكلمه ولأحتضنه.

 فحاسوبي هو من يتواصل معي باستمرار، و هو من يجيب على أسئلتي كل يوم، و هو نفسه من يسمح لي بالتعبير عن نفسي. يجعلني أضحك و أبكي و أكتب بقوة، و في نفس الوقت يعبر عن أحاسيسه المختلفة فتارة يضحك و تارة يبكي، تارة يخترقه فايروس ما و يمرض، و ما يخيفني هو أن يموت لأنني سأفتقده بشدة، سأبكي كثيراً على فقدانه. إنه مختلف حتى في تصرفاته فتارة يقدم لي الأخبار و المعلومات و تارة يحتفظ بملفاتي و صوري و كتاباتي، و ما يذهلني هو أنه أمين جداً ففي كل مرة أستطيع أن أئتمنه على أرقامي السرية على عكس كثير من البشر، الذين لا يتحكمون في ألسنتهم و عندما تحتج عليهم  يقولون لك: اللسان خالي من العظام.

مع السلامة يا أبي، مع السلامة يا صديقي، مع السلامة يا أختي.  قررت أن أصاحب الجماد على أمل أن لا يودعني هو أيضاً.