Wednesday, July 26, 2017

مراجعة رواية "مدينة الظلال البيضاء" لـ أنور رحماني.

اليوم #6 : الثلاثاء 25 يوليوز 2017
هذه التدوينة تدخل ضمن مشروع #التدوين_اليومي احتفالاً بالذكرى السابعة لتأسيس هذه المدونة " الكتابة في الظلام". أقوم به لأول مرة على الاطلاق. 
أتمنى أن تقضوا وقتاً رائعاً بمدونتي. وقت مليء بالمتعة والافادة. 
شكراً على القراءة.
تحياتي، 

زكرياء ياسين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


مدينة الظلام البيضاء !
حينما علمت عن الضجة التي تحوم حول هذه الرواية أردت أن أقرأها لكي أرى كيف أساء هذا الكاتب الشاب للذات الإلهية وكيف أهانت هذه الرواية ذات العنوان الملفت للأخلاق والتقاليد في الجزائر. وبالطبع الموضوع الرئيسي كان يهمني جداً خصوصاً لأن الأحداث تقع في الجزائر في عصر الاحتلال الفرنسي.
ولكن حينما انتهيت من قراءة الرواية  شعرت بمدى تفاهة آراء الناس وسطحياتها. للأسف الشديد، بفضل مواقع التواصل الاجتماعي أصبح لمن لا رأي له رأي. يكفي أن يكرر ما يقول أغلبية الناس ويساهم في ترويج نفس الأفكار المغلوطة عن الابداعات الأدبية. حتى من لا يفهم حرفاً في الأدب يسمح لنفسه أن ينتقد ومن لم يقرأ الرواية يتكلم عنها وكأنه قارئها النموذجي.


عن أي ازدراء لله يتكلمون ؟ وأي فحش وانحطاط وإساءة للثوار وللجزائر؟ ما هذا الهراء؟ هل الله ملك لهم لكي يقوموا بتنصيب أنفسهم دون مبرر ودون شرعية أوصياء ومحامون لله؟ وهل يجب حظر الحديث عن المثلية الجنسية لكي نصبح مجتمعات أخلاقية. المثلية الجنسية ناقشتها عدة روايات وهي لا تعتبر ظاهرة في المجتمع بل واقع موجود منذ أزل التاريخ وهذا تؤكده حقائق الأنثروبولوجيا. إن لم تكن تتفق معي فهذا حقك لكن لا يحق لك أن تمنعني من قراءة رواية جميلة أو مناقشتها على العلن. يكفي أن لا تشتري الرواية وأن لا تقم بالبحث عنها أو تحميلها؛ هذا أكثر ما يحق لك فعله. أما الحماقات التي حصلت فهي مجرد ترويج اعلامي مجاني للكاتب وللرواية وهذا أمر ايجابي جداً بالنسبة لي لأنه يكسر الصمت حول عدة مواضيع ويساهم في شهرة كاتب شاب يستحق الدعم.



 ♡ عنوان الرواية والغلاف 

"مدينة الظلال البيضاء" هو عنوان بمجرد أن قرأته لفت انتباهي خصوصاً لأن الكاتب في مثل عمري ولأنه من بلد شقيق، الجزائر. كما أنه بسبب الرواية تعرض للاستجواب البوليسي لمجرد أنه توجد جملاً لم ترضي الذوق العام المعروف عنه بالانحطاط والنمطية. لذا بمجرد أن كتب عنها منشوراً طلبت منه أن يرسلها لي حتى أكتب عنها مراجعتي. وهذا ما أفعله الآن في مدونتي، بأسلوب بعيد عن الكتابة الأكاديمية والمجاملات الشخصية.



إنها رواية جميلة صدرت سنة 2016 وينتظر ترجمتها للفرنسية كما أنتظر شخصياً أن تتحول لفيلم سينمائي فهي محتوى خام لسيناريو فيلم تاريخي ورومانسي جميل ومؤثر. العنوان حسب ما فهمت يحيل على المدينة التي ترعرع فيها بطل الرواية كما أن "الظلال البيضاء" هم شهداء الثورة الجزائرية التي ما تزال أرواحهم عالقة بالمكان. من وجهة نظري، أعتبرها إشارة لأهداف الثورة التي لم تتحقق رغم مرور سنوات من الاستقلال الصوري عن فرنسا ولهذا يتم استخدام أسماء الشهداء تارة من طرف النظام السياسي الحاكم وتارة من طرف المعارضة. لكي تتحول تلك الظلال البيضاء للعبة بين أيدي الناس؛ كل أحد يستغلها كما يريد حسب مصالحه الذاتية. الجميع يتكلم عن الثوار باحترام في العلن. لكن في الواقع، ماذا يفعلون لذكراهم؟ وكيف يكرمونهم؟ شخصياً، أعتبر أن الكاتب أنور رحماني فعل ما لم يفعلون؛ بحيث لم يقم بالإساءة لا للثوار ولا للشهداء بل قام بتوثيق قصة حب مؤثرة بين رجلين مثليين والمبدأ الأساسي لكل رواية هي أن شخصيات الرواية تمثل نفسها. 

♡ عناوين الفصول 


على عكس العنوان الجميل والجذاب الذي يبرز حضور المكان (أدب المدينة) لم يعجبني الغلاف فهو يتجاهل البلد الرومانسي وحينما رأيته ظننت أنا رواية حربية وبالنسبة لي كان من الممكن اضافة إشارة رومانسية للغلاف لأن الرواية تندرج ضمن النوع التاريخي والرومانسي ولا تركز فقط على تاريخ الجزائر. وبالمناسبة، الكاتب موهوب جداً في اختيار العناوين: لقد قسم الفصول بعناية واختار لها عناوين رائعة لدرجة أنني أثناء القراءة، استوحيت حوالي 15 عنوان جديد وذلك بسبب التراكيب اللغوي المميزة (التشبيهات والاستعارات...الخ)، أجذها جذابة جداً وتذكرني بأسلوب أحلام مستغانمي.



 ♡ المكان  ♡ الزمان ♡ الشخصية الرئيسية  


الرواية لا يوجد فيها تعدد شخصيات رئيسية فالشخصية الرئيسية هي "جان بيير". كما لا تعدد أمكنة لأن أحداثها تتم في أرض الجزائر في المدينة التي عاش بها مع عائلته الفرنسية المستوطنة. أما عنصر الزمن فهو بتراوح بين الحاضر والماضي لأن الرواية تتأسس بشكل رئيسي على الذاكرة لأنها عبارة عن "فلاش باك" طويل لعجوز فرنسي الجنسية والثقافة وجزائري المولد والنشأة، كانت له علاقة حب مثلية مع مقاوم جزائري "خالد" استشهد بشكل غامض أثناء حرب التحرير الجزائرية. وبعد حوالي 50 سنة يعود "جان بيير" من فرنسا للمدينة التي تعرف فيها على حب حياته الذي ما يزال يخلص له ويستذكره ويقتات على مشاعره.


♡ مواضيع الرواية 


بغض النظر عن الموضوع الإطاري للرواية وهو "الذاكرة" يوجد موضوع رئيسي ثاني وهو الثورة الجزائرية بالاضافة لتيمات كثيرة وهي : أدب المدينة، الصراع ضد الاحتلال، الرومانسية، التسامح الديني، التعايش، الحب والحرب... جميعها مواضيع مهمة وجيدة جداً. الكاتب أحسن اختيار مواضيعه بشكل ممتاز لكن ما ميز هذه الرواية بشكل أفضل لكي يجعلها مختلفة عن الروايات الأخرى هي أن قصة الحب التي لم لم تكن بين شخصين من جنسين مختلفين كما حدث في "ثلاثية ذكرة الجسد" للروائية الجزائرية أحلام مستغانمي؛ بل هي قصة حب لشخصين من مثل الجنس وهذا ما أضاف أصالة للرواية لأنها تكلمت عن فئة مضطهدة من المجتمع الجزائري. فئة اجتماعية موجودة في واقعنا لكن لا يتم تمثيلها في الأدب وكأنه لا وجود لها ولكن هذا الكاتب سخر قلمه للحديث عن هذه الأقلية المحتقرة والمظلومة متجاهلاً المشاكل التي قد يتعرض لها من مجتمع متخلف وظالم يرفض الحق في الاختلاف ولا يؤمن بحقوق الانسان الفردية بل بحقوق القطعان البشرية، حيث القوي يأكل الضعيف والأغلبية تسحق الأقلية باسم الدفاع عن الله والأديان والأخلاق. 
الأجمل في الرواية هو أن تلك العلاقة المثلية كان لها بعد إنساني جديد على الرواية العربية، بعد حداثي وعصري...لأن الفرنسي مسيحي الديانة والجزائري مسلم الديانة كما أن الفرنسي انحاز للجزائر ولثورة الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي وفي المقابل الجزائري الذي يعيش فيه مجتمع لا يعترف بالحقوق المثلية انحاز لمشاعره.  لكن بالرغم من تعدد المواضيع وتميز طريق طرحها أعتبر أن الكاتب لم يستغل جميع هذه العناصر التي يمتلكها بشكل جيد. إنه أمر مؤسف جداً. لا أعرف السبب؛ فهل يا ترى، سببه الرقابة الذاتية أو التسرع في النشر أو ربما كان أمراً مقصوداً من طرفه. في جميع هذه الحالات الرواية قصيرة بالمقارنة مع بعدها الانساني وتعدد مواضيعها وأهميتها.


♡ تالوث السياسية والجنس والدين 
الرواية تناقش مواضيع مهمة وتعتبر رواية جدلية فهي تتمحور حول تالوث السياسية والجنس والدين ومع ذلك لا أعتبر أنها نجحت في استغلال جميع هذه العناصر.

بدايةً: الجنس ذكر بطريقة مبتذلة بعيدة عن الحقيقة وخاضعة لنفس النظرة الذكورية وهناك صور نمطية تمنيت لو لم تكن في رواية تتخد من التمرد لغتها ومن الانفتاح الفكري غايتها، فلماذا المثلي الفرنسي يجب أن يكون ناعم السلوك وله جمال أنثوي؟ ولماذا يتم استخدام نفس تلك الأدوار الذكورية داخل علاقة مثلية؟

ثانياً: جانب السياسية فكان محتشماً بشكل جعل الرواية ناقصة في نظري لتجاهلها أشياء كثيرة من ناحية النظام السياسي القائم في الجزائر ولكن في المقابل هناك جرأة في نقد الاحتلال الفرنسي. 

وأخيراً: عنصر الدين، كان مربك بصراحة لدرجة شعرت أن هم السارد هو إثارة الجدل لمجرد الاثارة وليس لطرح فكرة أو الدفاع عن نظرية أو مناقشة قضية وتساؤل يخص الأديان. لست ضد الجدل وإثارة النقاش وطرح موضوع أو فكرة شخصية لكن ضد اثارة الجدل لمجرد الاستفزاز المجاني.

♡ تقييم سلبي
منحت الرواية 3 نجوم على 5 ببساطة. أشعر بالأسف على الرواية. كان يمكن أن تضم أكثر من 200 صفحة بتفاصيل أكثر فيما يخص الجانب التاريخي وسرد وقائع عن حرب التحرير الجزائرية ومعاناة عائلات الثوار مع توثيق فظائع الاحتلال الجزائري وجرائمة ضد الانسانية كما تمنيت لو كانت هناك تفاصل رومانسية جادة، مشاعر صادقة، وغير مبتذلة لكي لا تكرس لنفس الصورة النمطية عن المثلية وبصراحة حتى تلك العلاقة لم أفهم كيف تكوت ولا كيف تطورت ولا كيف أصبحت بهذا الاخلاص والتعلق. للحظات شعرت أنها علاقة اعتمادية بين طفل جائع للحنان وأب. أما جانب الدين لا أعرف ما أقول وذلك بسبب الارباك الذي شعرت به فآرائه كانت مشوشة ولو لم يكن قادراً على التعبير عنها بصراحة أو القفز على حواجز الرقابة، كان يفضل لو لم يقترب من هذا القطب المحظور. إنها النواقص الثلاثة التي أظن أنه كان لها تأثير سلبي على الرواية: الارتباك في التعبير عن وجهات النظر الدينية، نمطية الجنس، الانتقائية في عرض الأفكار السياسية والوقائق التاريخية. ورغم كل هذه الانطباعات السلبية، أحببت اللغة والأسلوب المتميز والعناوين الجذابة وبالطبع أعتبرها محاولة روائية مستحسنة. بالموازاة هناك مقاطع ممتازة، مثل قصة حقل البرتقال، مشهد الوضع... هناك جملاً بقيت أحدق فيها لشدة جماليتها. 
إنه يملك الموهبة 


♡خلاصة القول
في النهاية، كل آرائي في هذه المراجعة تعبر عن وجهة نظري ولا أحد ملزم بها وليست بالضرورة صحيحةَ من وجهة نظر أي شخص ولو كان الكاتب بنفسه. إنها انطباعاتي وآرائي الشخصية.

حسب ما أعرف من الاعلام فالكاتب لن يغادر الجزائر من أجل رواية وقضيته تحظى بالدعم من القراء والطبقة المثقفة والاعلام. لذا، أتمنى أن يواصل مسيرته الأدبية وأن يطور أسلوبه أكثر فهو متميز وموهوب وأن يستمر في التأليف بطريقته الخاصة. لا أن يركع للتيار السائد وللنمطية المقرفة التي تقتل الابداع وفردانية كل كاتب مفكر. أعجبتني الرواية لأني أؤمن بقضيتها الانسانية وبأفكارها المتحررة ولهذا فانتقداتي للرواية هي انتقدات أدبية تقنية وليس فكرية. 
ربما، سأعيد قراءتها مرة ثانية قبل قراءة روايته الثانية "هلوسة جبريل" لكي أكتب عنها مراجعة ثانية.
قراءة ممتعة للجميع. 


" الخلود أن نعيش لحظة وادة تبقى فينا ونبقى فيها، لا تغادرنا ولا نغادرها. 
 مدينة الظلال البيضاء، أنور رحماني.

No comments:

Post a Comment

تُسعدني مشاركتك و إضافتك في المدونة
أشكرك على تعليقك^_^