Tuesday, June 07, 2016

حقائق رمضان المؤسفة

يتم تعريف عبادة الصوم في رمضان عادةً على أنها الإمتناع عن شهوتي البطن والفرج من شروق الشمس إلى غروبها لكن ماذا عن صيام الجوارح الذي يجب أن يصبح سلوكاً دائماً سواء في رمضان أوخارجه وهو الذي يتم تعريفه عادةً بإمتناع الحواس عن الآثام وهي الغيبة، النميمة، الكذب، السرقة، التحرش، العنف...الخ.
من وجهة نظري، صيام الجوارح أكثر أهمية من صيام البطن والفرج سواءً بالنسبة للمجتمع أو للفرد نفسه وهذا راجع للفوائد المترتبة عليه. إذا امتنعت عن الأكل أو ممارسة الجنس فذلك لا يعنيني نهائيا لكن إذا امتنعت عن السرقة والكذب والتحرش الجنسي والنميمة فذلك أمر سأشجعه بالطبع. لذلك أعتبر أن صيام الجوارح هو الغاية الأساسية من الصيام والتي يجب أن يحرص أي مسلم على تحقيقها لكي تتحقق المقاصد الأخلاقية للدين.
على اعتبار أن الأشخاص في دولنا لا يحق لهم قانويا أن يختاروا دينهم وبالتالي فهم يتدينون تلقائياً بدين عائلتهم وبسبب أزمة القراءة وتوريث الدين للأطفال تكون عادةً معلومات الناس الدينية سطحية ومتوارثة وهذا ينعكس مباشرة على علاقة الناس بالدين لتتمظهر في النهاية تلك العلاقة بالتناقض والنفاق والجهل وفي هذا المقال سوف أوضح علاقة الناس برمضان، الذي أصبح بسبب توريث الدين والجهل: شهر النفاق والرياء بامتياز.
علاقة الناس بالطعام هي الشيء الذي  يتم التركيز عليه في رمضان وكأن رمضان هو شهر الجوع فقط. في النهار وخصوصاً في الأحياء الشعبية يتعود الناس على الروائح المختلفة للشهويات التي يتم تحضيرها لوجبة الفطور وخصوصاً الحريرة. 



في رمضان يتزايد التفكير في الأكل حيث تقضي النساء أغلب أوقاتهن في المطبخ لتحضير الكثير من الأكلات للفطور والعشاء والسحور وبعد ذلك غسل الأواني المتراكمة. الصوم في رمضان بالنسبة للكثير من الناس هو مجرد تغيير لمواقيت الأكل التي تصبح في الليل بينما تكون خارج رمضان في النهار. فوجبة العشاء لا يتغير وقتها، وجبة الإفطار يتم تعجيلها لتصبح سحور أما وجبة الغذاء فتتحول لوجبة الفطور: إنها نفس الوجبات الثلاث. الفرق الموجود هو أن أكلات رمضان أشهى وأغنى بالدهون والسعرات الحرارية وهذا يتجلى بوضوح على مائدة رمضان.




في الواقع، بغض النظر عن الصيام النهاري، الناس في رمضان يأكلون أكثر من الأيام العادية. الأسواق تصبح أكثر ازدحاما بسبب تزايد الإقبال على المواد الغذائية والتوابل ومكونات بعض الوجبات الرمضانية التي تحضر حصرياً بمناسبة رمضان. الإعلانات التلفازية تركز على الطعام والعصير والتمور أما الإعلانات في النت واليوتيوب فتزدهر مما يؤكد أن رمضان تحول شيئاً فشيئاً لشهر تجاري واستهلاكي. بالإضافة للميدان الإعلامي الذي جعل رمضان موسم سنوي للدراما والكوميديا فمسلسلات وبرامج رمضان يتضاعف عددها بشكل كبير وسوق الإشهار ينتعش. 

النفاق والرياء يتمظهر بشكل واضح في المصلين الموسميين الذين يلقبون بـ "عبادي الحريرة" حيث تمتلأ المساجد ووتكثر الدعاوات للصلاة وراء الإمام الفلاني في الحي الآخر ومباشرة بعد انتهاء شهر رمضان تعود المساجد لحالتها المعتادة. قروض رمضان التي تقدمها الأبناك هي وجهة آخر للنفاق فحتى من يهاجم الربا تجده يستفيد من تلك القروض الربوية أما أصحاب التبرعات الذين يستغلون العمل الخيري التطوعي من أجل تحسين سمعتهم أو كسب أصوات الناخبين الفقراء للإنتخابات القادمة. أما من تنتظر رمضان لكي ترتدي الحجاب وتخلعه بعد انتهائه أو من ينتظر رمضان لكي يتفاخر بصلاته الجماعية بالمسجد ثم يتوقف مباشرة بعد صلاة عيد الفطر الذي ينتظرها بأحر من الجمر فهو أيضا جانب مضحك للنفاق الرمضاني.
من بين أسوء الأضرار هي المتعلقة بالصحة والناتجة عن الإسراف في الطعام. لا أستطيع أن أفهم كيف يتكلم الكثير من الصائمين عن فوائد الصيام الصحية وقدرته السحرية على شفاء الكثير من الأمراض وفي مقابل ذلك تجدهم يأكون من دون نظام ويبلعون من دون مضغ كافي وهم يفتحون أفواههم أمام مسلسلات رمضان.



إذا كانت الصلاة لا تنهي في واقعنا على الفحشاء والمنكر فالصيام كذلك لا ينهي لا الجرائم ولا الدعارة ولا حتى الغش المدرسي وخير دليل هي أرقام حالات الغش المرتفعة التي تعلن عنها وزارة التعليم بالمغرب في امتحانات الباكالوريا الوطنية والذي يصادف هذه السنة شهر رمضان. التلاميذ يغشون حتى وهم صائمين وبالتالي هذه هي أحد أبرز أوجه النفاق الرمضاني.

رمضان أصبحت له عادات اجتماعية وطقوس ثقافية لا علاقة لها بالدين الإسلامي نهائياً ولهذا تصرفات الناس في رمضان تتناقض بشكل صارخ مع روح الإسلام. 
تظهر سلوكيات "الترمضينة" حيث تكثر الشجارات العنيفة في الشوارع بسبب الغضب وعدم الصبر وطبعاً بسبب نقص نسبة السكر والنيكوتين في الدم بالنسبة للبعض، كما تكثر النفايات التي تتراكم في الأحياء الشعبية نتيجة زيادة الاستهلاك وتقل مردودية الموظفين في الإدارات العمومية الذين يصبح عملهم أكثر بطءاً من المعتاد ويتم تبرير ذلك بسبب الإرهاق الجسدي الناتج عن الصوم وارتفاع درجة الحرارة... إلى آخره وجميع هذه الظواهر الرمضانية السلبية يمكن ملاحظتها بسهولة خصوصاً بعدما تحولت لمواد كوميدية تستعمل في المسلسلات ونكت تنشر في مواقع التواصل الاجتماعي للسخرية والتهكم. فمثلاً يقال "أن الصائم في النهار يحس بمعاناة الجائع وبعد الإفطار يحس بمعاناة الحامل." 
النكت التي يتم تأليفها ونشرها والإعجاب بها تجعلني بالفعل أشك في مصداقية صيامهم وأتسائل إن كانوا فعلاُ يصومون عن اقتناع أو أن صيامهم هو مجرد تقليد للأغلبية من الناس إما خوفاً من العقوبة القانونية أو من ترهيب الناس الذين لا يتسامحون مع المفطرين. 
ألاحظ أن النكت كثيرة وبشكل ضمني الكثير منها تعبر عن رفض الصيام.



حال الصائم في رمضان. 



كنت أتمنى لو يستطيع هذا الشهر أن يغير سلوكيات الناس وأن يحسن أخلاقها لكي يكون هذا الشهر نقطة تحول في حياة الإنسان وفرصة ربانية للتغيير بالفعل وليس فقط بالقول. لكن للأسف، رمضان أفرغ من محتواه الروحي والإنساني وأصبح مجرد عادة اجتماعية سنوية لها طقوس ثقافية تختلف من بلد لآخر. ليتحول في الأخير شهر النفاق والرياء للكثير من الناس ومجرد شهر تجاري واستهلاكي تستغله الشركات والإذاعات لكي تضاعف أرباحها.

ملاحظة: في هذا المقال أنا أنتقد سلوكيات الناس في رمضان وليس رمضان نفسه وأود الإشارة إلى أنني أرفض التعميم نهائياً لكن ما ذكرته يعبر على الأغلبية من الناس من وجهة نظري. سوف أكتب من جديد عن رمضان لكن من جوانب مختلفة.
الذي سوف يهاجمون المقال بأي مبرر تافه أهديهم هذا الوثائقي لمشاهده وهو عن الجريمة في شهر رمضان.



No comments:

Post a Comment

تُسعدني مشاركتك و إضافتك في المدونة
أشكرك على تعليقك^_^