Monday, January 25, 2016

ثورة النساء by عبد الودود يوسف







ثورة النساء هي رواية إسلامية بقلم عبد الودود يوسف نشرتها دار السلام بالقاهرة. لدي رغبة في السخرية من الكتاب لأسباب متعددة لكن سأحاول أن أكون موضوعي.

أعتبرها رواية موجهة للفتيات المراهقات باعتبار أنها رواية تربوية بسيطة غرضها توعية الفتيات بضرورة ليس الحجاب وعدم الثقة في الرجال وبخطر العلاقات الجنسية. الرواية لم تعجبني مع العلم أن القصة لا بأس بها لكن أسلوب الكتابة عادي وطريقة طرح المواضيع سخيفة... أو بالأحرى ذكورية وقاصرة.

تدور أحداث الرواية في مدينة باريس الفرنسية والزمن غير واضح الملامح لكن يمكن أن نتوقع أنه في فترة ستينيات أو سبعينيات القرن العشرون وذلك بسبب الأوضاع الاجتماعية المتخلفة. 

تعرض الرواية قصة نضال "سامورا"  وهي فتاة ساحرة الجمال في الثالثة عشر من عمرها ضحية أسرة مشتتة فتقرر أن تواجه واقعها المر بشجاعة وقوة. تبدأ الرواية بشجار بين شباب فتتدخل الفتاة لتدافع عن أخيها فيفر هارباً ويتركها للأولاد الأشقياء الذين يضربونها ويجعلونها تنزف الدماء وحينما تستيقظ تجد نفسها في المستشفى مع والدين حقيرين يتخلون عنها ويرفضون دفع فاتورة المستفشى فتقرر الفتاة الصغيرة أن تعمل كمنظفة وحاضنة أطفال في المستشفى لمدة 3 أشهر لتدفع فاتورتها ومع مرور الوقت تنضج نفسياً وتصبح مناضلة نسوية مدافعة عن حقوق المرأة ضد الذكورية والتحرش الجنسي والاستغلال البشع التي تتعرض له العاملات.. مناضلة من أجل الدفاع عن الزواج ومهنة ربة بيت، مناضلة من أجل البنطال السحري الذي يحمي لحم المرأة من نظرات الذئاب الشرهة للجنس... ^_*

أحببت إنسانية سامورا خصوصاً فيما يخص طيبتها مع أبويها المسيئين وعلاقة الصداقة بينها وبين سوندا التي دعمتها مادياً ومعنوياً وأعجبتني النهاية الإيجابية وأيضاً بعض الأسطر المعدودة (موجودة نهاية التدوينة) لكن الرواية بشكل عام لم تعجبني.


قرأتها في ساعات معدودة لأنها قصيرة، أعتبرها مناسبة للقراء المبتدئين بسبب سهولة اللغة وخلو الرواية من الصور البلاغية والتركيبات اللغوية المعقدة والسرد السريع غير المتعمق وأيضاً بسبب القصة الاجتماعية واضحة المعالم والتي يمكن توقع كيفية تطور أحداثها بسهولة فالرواية خالية من عنصر التشويق والإثارة. العنوان مثير لكنه غير مناسب " ثورة النساء" كان من الأفضل لو يسميها "البنطال السحري" فهو عنوان ملفت ومناسب لروايات الأطفال وجذاب للمراهقات كما أنه مرتبط بمحتوى أحداث القصة.. فهذا البنطال يحمي شرف المرأة من الاغتصاب، تم ذكر البنطال في مواقع متعددة من بينها الصفحة 105 "... نظرن إليه كلهن حين دخل، وشددن بناطلهن ورفعنها...كاد يعود لكنه اقترب منهن وقال: إن بناطلكن جميلة، هتفت واحدة: ولن نخلعها إلا لزوج." هذا الأسطر تؤكد أنها قصة للأطفال وطريقة السرد ساذجة ومثيرة للسخرية.

نهاية الرواية مضحكة وغير مقنعة فسامورا أصبحت مسلمة بعد التعرف على سيرة الرسول محمد وبعد قراءة كتب عن الإسلام ومباشرة اقتنعت صديقاتها سوندا وهامونية بسرعة من دون إعلان إسلامهن وبعدها اعتنق الاسلام أخ سامورا للزواج بهامونية واعتنق الاسلام أيضاً والدي سامورا من دون مقاومة أو تساؤلات وهم اللذين كانوا يعيشون حياة منحلة غارقين في عدم المسؤولية واحترام العائلة لدرجة أن الأم تهمس لنفسها حينما وهي تقصد ابنتها في الصفحة 43 "هذه الفتاة الخبيثة يركض الرجال خلفها، وتفر منهم، ونحن نلاحق الرجال دون أن نجظى بواحد منهم إلا بعد عناء"

أجدها رواية أقل من عادية، لأنها مليئة بالتعميمات الخاطئة عن المجتمع الفرنسي والتي تقدم صورة سلبية عن فرنسا: اللقطاء منتشرون في كل مكان، النساء ساذجات ضعيفات يخسرن غشاء بكراتهن بسهولة بسبب ثقتهن في الرجال الخائنيين والرجال هم ذئاب وأنانيين واستغلاليين وكل ما يفكرون فيه هو ممارسة الجنس وصيد أجساد جديدة...إلى غيرها من التعميمات السلبية فالمجتمع يتم تقديمه بعدم موضوعية فالكل سكارى وغارقون في الجنس وهناك مقاطع مثيرة للسخرية مثل " والخيانة الزوجية وكل ما يقومون به هو رفع نسبة الأطفاء المتخلى عنهم وكأنه لا توجد وسائل مختلفة لمنع الحمل أو مؤسسات لرعاية الأطفال أو قانون لحمايتهم ومعاقبة الآباء.
 
هناك تناقضات في الرواية فبطلتها عاشت في بلد أروبي ولديها اسم لا علاقة له لا بالعربية ولا بالإسلام لكنها تتصرف وكأنها مسلمة من جمهورية مصر فترفض مصافحة هذا وتتكلم عن جهنم الحمراء... إنها مناضلة نسوية لكنها على الطريقة الإسلامية فهي تريد تحرير المرأة لكن عن طريق تكريمها وطريقة التكريم المقترحة في الرواية هي الزواج وإنجاب الأطفال وتربيتهم. لست ضد هذا لكنني ضد ربط الشرف بالجسد والأخلاق بالعذرية كما أنني ضد المعايير الأخلاقية المزدوجة بين المرأة والرجل كما أرفض أن نعتبر أن الزواج هو حل مشكلة الأطفال المتخلى عنهم أو الخيانة... فظاهرة الأطفال المتخلى عنهم موجودة بكثرة في المجتمعات التي ينتشر فيها الإسلام وعدد أطفال الشارع في ارتفاع مستمر كما أن الخيانة الزوجية وكثرة العلاقات الجنسية للرجال هي ظاهرة عالمية ليست مرتبطة بمجتمع دون غيره... نقدي للرواية هو بسبب المعالجة السطحية والقاصرة للموضوع وأيضاً بسبب تقديم صورة مغلوطة عن المجتمع الفرنسي... لدرجة أنني لم أجد أي نموذج رجل إيجابي فجميع الرجال أوغاد وذئاب وخائنين.

في الرواية يتم تكرار عبارة ذئاب عشرات المرات عن الرجال وكأن الرجال الفرنسيين لا هم لهم سوى ممارسة الجنس مع كل فتاة عذراء، بطلة القصة تتعرض للحرق وتغطي رأسها الأصلع ثم تتعود عليه وفي الصفحة 64 تقول: "هؤلاء ذئاب يجب أن لا يروا شيئاً من المرأة على الإطلاق"  وذلك بسبب نظرات الرجال لشعرها ثم تقرر ارتداء الحجاب في الأخير. وفي مقطع آخر تصف الرجال بالذئاب الخادعين ولو غطوا أنيابهم بالحرير أو لبسوا لباس الرهبان... وغيرها من التكرارات التي لا معنى لها سوى استمرار الأحكام المسبقة وأن تستمر المرأة في لعب دور الضحية والمظلومة وتحميل المسؤولية للرجل وكأنه هو الفاعل الحصري والوحيد القادر على الاختيار.


أسطر أعجبني:

" المرأة حين تشقى، فإنها تشقي الأمة كلها" ص44.
" يجب أن نغير هذا أو نموت" ص45.
 " الإنسان بشكل عام يجب أن يكون مع الحق، مع الحقيقة، مع ما يؤمن به. فإن وجه إليه أحد ضغطاً فيجب أن لا يستسلم له، عليه أن يقاوم الضغط ويتغلب عليه، ليحافظ على كرامته النابعة من حريته" ص66.
"ستكون حياتنا صعبة لكننا سنتحرر من العذاب كله وسنحرر الأجيال كلها من العذاب."ص83.


 توقعت أن الكاتب هو داعية إسلامي لكنني شعرت بالأسف لأنه كبير السن، هذه الرواية سهلة لدرجة أنه يمكن أن يكتبها شخص في مثل عمري في بداية العشرينيات. حقاً، رواية ضعيفة أدبياً وقاصرة معرفياً ولغوياً.
في النهاية هي رواية سيئة ولا أنصح بها أي أحد.

Sunday, January 24, 2016

موت الرجل الوحيد على الأرض by نوال السعداوي









"موت الرجل الوحيد على الأرض" هو عنوان طويل لرواية قصيرة للروائية والمفكرة نوال السعداوي، صُدرت سنة  1975  بدار الآداب. وهي رواية واقعية اجتماعية تدور أحداثها في قرية كفر الطين بمصر في منتصف القرن العشرين، حيث يعيش الفلاحين الفقراء والمنهزمين من أجل قوت عيشهم حياة مليئة بالظلم والقهر الاجتماعي. يتم تخويفهم من طرف العمدة وبوليس الحكومة وفي نفس الوقت تجهيلهم من طرف رجال الدين الذين يستغلون مظهرهم وثقة الناس بهم من أجل تكريس سلطة العمدة وإن كانت سلطة استبدادية. كل هذا من أجل استمرار عمل نفس النظام الاجتماعي الظالم والعنصري ضد النساء والفقراء.

تطرح الرواية موضوعين أساسيين هما: العنف ضد المرأة الذي يتجلى في التحرش الجنسي، زواج القاصرات والعنف المنزلي. الموضوع الثاني: القمع واستغلال السلطة سواء سلطة العمدة القانونية والإدارية أو سلطة شيخ القرية الدينية الاجتماعية فهما معا يعملان مع الحكومة ضد مصلحة الفلاحين وسكان القرية. من بين المواضيع الأخرى التي تم طرحها بشكل سريع: ختان الإناث، الأطفال خارج الزواج اللذين يلقبون بأطفال زنا وأولاد الحرام...
أنهيت الرواية في أقل من يوم واحد وهذه أول قراءة لي لنوال السعداوي التي أتعرف عليها كروائية لأول مرة. إنها بالفعل كاتبة متمكنة من الكتابة الروائية. في البداية لم تعجبني الرواية التي شعرت أنها ضعيفة وكان هذا مجرد شعور زائل في الفصول الأولى لأنها البداية وبسبب إيقاع السرد المختلف لكن بعد التمعن أدهشتني نوال الروائية. إنها تمزج بين السرد والوصف والحوار ببراعة وتنتقل بين الماضي والحاضر بليونة. هناك مقاطع تتكلم فيها عن الجنس من دون خدش للحياء لدرجة أن القارئ قد لا يفهم نهائياً ما هو موضوع الوصف... لكن مع القراءة المتفحصة يمكن فك شفرة الكلمات، فهي تستخدم تلميحات ذكية جداً من خلال تشبيهات مبتكرة. لا يوجد إطناب أو إطالة في الفصول مع العلم أن مواضيع الرواية متعددة والشخصيات كثيرة لأنه لا يوجد شخصية بطل رئيسية.
الرواية اجتماعية وفي قمة الواقعية وأتمنى أن تتحول لفيلم سينمائي مصري. إنها تستحق أن تعرض في الشاشة الكبيرة لكي يعرفها جمهور أكبر. خصوصاً في هذه الفترة التي ينتشر فيها الوعي واهتمام الناس بالشأن السياسي والاجتماعي ببلدانهم. في نهاية الرواية هناك بذور ثورة فلاحين قادمة والأسطر الأخيرة للرواية ليست سعيدة ووردية بل واقعية ولو لم تكن كذلك لما صدقها القارئ.
الرواية هي نقد للمجتمع الذكوري الأبوي وفضح للتقاليد والعادات الموروثة والخرافات التي يتم منحها صبغة دينية فالتعاويذ السحرية تختلط بالآيات القرآنية. تكشف نوال بجرأة عن المفسدين الحقيقيين في المجتمع، الفاسدين الذين يعملون في الخفاء بنظام وانسجام ويخدعون الناس بالأخلاق الزائفة والتدين الظاهري الكاذب ويستغلون سلطتهم لممارسة الظلم واغتصاب حقوق الناس. 
إنها رواية إنسانية اجتماعية همها الدفاع عن المرأة والفلاحين... وغرضها التحرر من الخوف والقهر الاجتماعي والاستبداد باسم الدين.

من بين نقط القوة في الرواية التي أعجبتني كثيراً.

1- حضور الحيوانات والتعبير عن مشاعرها ووصف أحوالها مما يعطي شعوراً للقارئ بتقدير الحيوانات وأيضاً اعتراف بوجود هذه الكائنات الحية التي تساعد الإنسان.. ولا تطلب مقابل سوى الشفقة والعطف.
2- لا يوجد فصل في الرواية بين أحوال الجسد والنفس وهذا الانسجام الكلي أعجبني وأعتبره في غاية الأهمية.
3- دقة التعبير عن لغة الجسد وملامح الوجه مثل حركة الشفاه أو طريقة المشي. "أطلقت الأم ضحكة ساخرة مألوفة ومميزة لسيدات المجتمع في القاهرة وهي ضحكة تطورت عن الشهقة الممطوطة أو الشخصير الذي تطلقه ابنة البلد من أنفسها أو المعلمة الكبيرة حين لا يعجبها الكلام. "ص62.
4- تعدد الشخصيات الأنثوية وتعدد القصص ففي الرواية لا يوجد شخصية بطل رئيسية.. توجد قصة زكية مع أخبيها كفراوي وابنها جلال وبنات أخيها نفيسة وزينب. قصة الشيخ حمزاوي مع زوجته فتيحة. قصة العمدة مع أمه الإنجليزية وأخيه المتفوق وتوجد شخصيات أخرى مثل الحاج اسماعيل وشيخ الحفر والداية أم صابر...
5- براعة الوصف والتلميح فيها يخص العلاقة الجنسية من دون خدش حياء. في ص 72 تصف الساردة علاقة جنسية بين كفراوي و الجاموسة.
6- المزج بين المواضيع المختلفة وبين الدين والسياسية والجسد والسلطة... بالإضافة لتداخل الأزمنة ومشاعر الشخصيات وكل هذا يحدث بانسجام ومن دون خلق ارتباك للقارئ.
7- هناك تكرار لعبارات كاملة وأظن أن الهدف هو تحقيق وظيفة تأكيدية للقارئ. مثل عبارة : تحدي اشبه بالغضب أو غضب أشبه بالتحدي"في الصفحة الأولى. " باصرار أشبه بالجنون أو جنون أشبه بالاصرار" ص175 

نقط سلبية في الرواية: 

1- النهاية واقعية لكنها مفتوحة وغير كافية ومشبعة للفضول.
2- هناك قفز على بعض الأحداث والشخصيات المهمة في الرواية وتجاهل لتطور شخصيات تم تسليط الضوء عليها في الرواية... بصراحة، الرواية يجب أن تصل ل300 صفحة ويجب أن تكون أضخم، وهذا بسبب تعدد الشخصيات والمواضيع.

إقتباسات أعجبتني.

"يخلق من ظهر العالم فاسد" ص29.
" الليل أكثر آماناً من النهار." ص39.
" الواحد منا لا يتعلم بالمجان" ص46.
"الرجال طول عمرهم فاسدون ولكن الجديد الآن النساء فسدوا أيضاً." ص61.
" لا شيء يسقط في العدم ولو كان قطرة في بحر أو لحظة قصيرة في خضم الزمن" ص66.
" يشعر الفلاحون بكراهية خفية شبه غريزية يحسون بها نحو الشرطي وكل رجال الشرطة وكل مندوبي الحكومة. عداء خفي قديم يكنه الفلاحون للحكومة، يدركون من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون أنها تعمل على الدوام ضد مصلحتهم وتنهب جسدهم وعورتهم." ص91. 
" لا يهمهم من هو الضارب أو من هم المضروب، وإنما هي تلك المتعة الإنسانية الغريبة لأي صراع بين قوتين، كصراع الثيران، أو سباق الخيول، متعة قد يدفع البعض من أجلها الكثير، يتلهون بمشاهدة الصراع في العالم الخارجي عن الصراع الداخلي في أنفسهم" ص165.
" الأذكياء فقط هم الذين يعرفون الشك" ص191.
" الجوع لا يعرف الناس تعرف أحداً" ص193.