Thursday, December 24, 2015

مراجعة لمسلسل سجن النساء.



  مسلسل درامي اجتماعي واقعي يطرح الكثير من قضايا الفساد التي تعم المجتمع المصري من خلال قصص إنسانية لمجموعة من السجينات.  المسلسل لم يركز فقط على الفساد الذي مارسته هاته السجينات لكن أبرز أيضاً حالات الفساد الذي يمارسها من يعيشون خارج أسوار السجن. المسؤولية يتقاسمها الجميع بدون استثناء وبالطبع الذي يرى المنكر ولا يغيره هو أيضاً يتحمل المسؤولية لأنه يساهم في استمرار وجودها.
  ليس بالضرورة أن كل ما هو مسجون جاني فيوجد الكثير من المظلومين داخل أسوار السجن ولا يعني أن كل من يعيش خارج السجن بريء بل يوجد الكثيرون الذين يستحقون السجن. لقد عارض المسلسل هذه الأحكام المسبقة بشكل عملي رائع.
المحامي يتلاعب بالقوانين من أجل تخفيف الحكم، القاضي المرتشي يطلق سراح متهمة غنية ويسجن بريئة لأنه لا توجد أدلة لتبرئتها لكن في الواقع تحقيق الشرطة ناقص لأنه اعتمد على أقوال القاتل وشاهدة الزور. الطبيبة تدعي القيام بأعمال الخير وتقوم بعملية جراحية بالمجان لكنها تسرق كلية مريضتها الساذجة، الموظف مرتشي، الممرضة كاذبة، السارقات يملئن الأسواق الشعبية و المتحرشين بالنساء في كل مكان بالمدينة. لكن لسوء أحوال المجتمع جميع هؤلاء الأشخاص لا يعاقبون و يعيشون بأقنعة اجتماعية أمام الجميع، إنهم يدعون البراءة والطيبة. يكفي أن تغطي العاهرة جسدها بلباس أسود طويل وفضفاض لتصبح محتشمة وشريفة لتعود لمنزلها قبل آذان الفجر، إنهم تعلموا جيداً الكيفية التي يخدع بها المجتمع المهووس بالتعرف على فضائح الآخرين ومشاكلهم.

  قد يبدو أن المسلسل ركز على شخصية " غالية " السجانة التي أصبحت سجينة بعد أن اتهمت ظلماً بقتل رجل عجوز أراد الدفاع عنها لكن الرائع أن هذا لم يمنع صناع العمل من إعطاء مساحة كبيرة لشخصيات رئيسية أخرى مثل شخصية "دلال" الفتاة التي حاولت العمل في ميدان الدعارة بشكل سري من أجل أن تساعد أمها في المصاريف الدراسية لأخواتها لكن بعد أن تسجن تصبح ميتة بالنسبة لأمها ومطلقة بالنسبة لزوجها لتجد نفسها في الشارع بعد أن قررت أن تتوب و بعد أن طلبت المسامحة لكن من يستطيع أن يتفهم وضعها غير خالتها التي تريد أن تعيدها لميدان الدعارة، بهذا الشكل تعود دلال بشكل أقوى للدعارة.



دلال: الفتاة التي تعيش ب3 شخصيات. الفتاة الضائعة الطيبة التي ساعدت عائلتها لكن ما وجدته في المقابل الأنانية وعدم التفهم والمحاكمة.



رضى: بنت ريفية لم تتمم دراستها جاءت لمدينة القاهرة كي تعمل كخادمة في البيوت لتكون ضحية لاستغلال وعنف سيدة  تصنف على أنها راقية ثم ستعيش في منزل آخر بشكل أفضل، ستعاملها الأسرة الجديدة بشكل أفضل لكن الأمر لن يستمر لينتهي بشكل مخالف لتوقعات الجمهور. من دون شك ما سيحدث في الأخير سيجعل العائلات الغنية تراجع نفسها في الطريقة التي تعامل بها الخادمات، لقد كان انتقام رضى غير متوقع.


زنات: شخصية رائعة جداً، ستظهر في المسلسل بصورتين صورة الفتاة السعيدة والحيوية التي تزين الفتيات وبعد ذلك سوف تتحول لفتاة تبيع جسدها في الطرقات لتعيل نفسها وهذه الصورة كانت قمة في الرمادية.



حياة: شخصية مكتئبة وتخاف بشكل مرضي على أبناءها من العالم الخارجي الذي تراه فاسد و مليء بالشرور والظلم. تعاني من التحرش الجنسي الذي تتعرض له في وسائل المواصلات، كما تعاني من عدم تفهم زوجها لحالتها النفسية المعقدة الذي قال أن اسمها هو موت وليس حياة. هكذا تقرر حياة أن تنتحر أثناء تسميم أسرتها ليموت الزوج والأبناء لكنها تنقد في المستشفى، تمنت حياة أن تذهب للجنة مع أبناءها لكنها وجدت نفسها في السجن.


هناك شخصيات نسائية أخرى مهمة في السياق الدرامي أخرى:
- إحسان: السجانة جارة غالية التي تعتبرها مثل أمها و التي تهتم بها وتساعدها في الاندماج في عملها الجديد بسجن النساء.
- نوارة: ابنة إحسان، جارة غالية التي قامت بخيانتها والتي شهدت زوراً ضدها لترتبط سراً مع صابر لتهرب معه في الأخير بعد أن سرقت أمها.
- درية: السجينة الغنية التي دخلت السجن في مكان ابنها مروج الكوكايين.
السيدة البريئة التي اتهمت في جريمة لأموال عامة والتي خسرت ملاينها في البورصة.
- بنات خالة دلال العاهرات الراضيات بدخول السجن وبهذا المصير...الخ


هناك الكثير من المشاهد الدرامية التي أترث بي من بينها: مشهد الإنتقام عبر الحرق. مشهد طرد الأم لابنتها العاهرة. مشهد تسميم الأطفال.مشاهد الإهانة والعنف الجسدي التي تعرضت له رضى.... والكثير من المشاهد الأخرى التي علقت في ذاكرتي بسبب قوتها التأثيرية التي تخص غالية ودلال التائهة.
هناك ممثلات رائعات أتقنوا أدوارهن وخصوصاً روبي التي أظهرت للمشاهدة موهبتها التمثيلية على عكس ما يعتقد البعض... لقد كانت مقنعة سواء من ناحية اللهجة الريفية الصعيدية أو من ناحية لغة الجسد بحيث أتقنت حركات الخادمة القروية. 





تتراوح القضايا التي طرحها المسلسل بين الخيانة، التحرش الجنسي، الفقر، السكن العشوائي، استغلال الخادمات، الدعارة، الترويج واستهلاك المخدرات، النفاق الاجتماعي، عدم نزاهة القضاء، فساد جهاز الشرطة...الخ

  من أكثر الأمور أهمية في المسلسل هو جرأة الطرح سواء من حيث الحوارات الشفافة أو من حيث طرح مواضيع شائكة تحرج المجتمع لدرجة أن  تجعل المشاهدين يشاهدون أنفسهم في المرآة، كما أن بعضهم سيغضب وسيتهم صناع المسلسل أنهم يقصدون تشويه سمعة بعض الأشخاص أو الإساءة لصورة المرأة المصرية في الإعلام و هذا كلام غير حقيقي، فالمسلسل كل ما يقوم به هو عكس واقع المجتمع وتسليط الضوء عليه من أجل معالجته بشكل درامي وتوعية المجتمع.
المسلسل حتى لو كانت أحداثه في مصر إلا أنه يعبر عن مساحة جغرافية تتجاوز مصر والدول المجاورة وهذا راجع للنقط المشتركة التي تجمع بين البلدان التي تعيش فيها أغلبية مسلمة عربية. ما يحدث في مصر يوجد في المغرب ولبنان والجزائر ودول أخرى بدرجات متفاوتة فالأوضاع السياسية (أنظمة عسكرية طاغية...ديكتاتورية) والاجتماعية (فقر وبطالة) متشابهة وخاضعة لنظام ذكوري أبوي متماثل.

أظن أن هذا التخوف هو ما جعل صناع العمل يبدؤون جنريك المسلسل بتلك الملاحظة التي تقول: " هذا العمل بكامله من وحي خيال مؤلفه " وتم تأكيد هذه الرسالة  في شارة المسلسل حيث كتب أن سيناريو المسلسل مقتبس من مسرحية من تأليف فتحية العسال (سيناريو: مريم نعوم) لكن التناقض هو أن توجد ملاحظة  في الكثير من في موسوعة ويكيبيديا وموقع قناة MBC  التي عرضت المسلسل في رمضان تقول أن قصص بطلات المسلسل واقعية كما تم كتابة نفس الملاحظة في قناة يوتيوب الشركة المنتجة "العدل غروب" لذا يمكن أن نعتبر أن المسلسل مقتبس من قصص حقيقية فهو بالضرورة مسلسل واقعي اجتماعي.

مسلسل سجن النسا هو مسلسل مناسب لمن يريد التعرف على طبيعة مشاكل مجتمعاتنا ولمن يريد الاقتراب من العقليات المتخلفة السائدة التي تهمين عليها الثقافة الذكورية والنزعة الاستهلاكية المادية والميول النفعية التي تجعل الناس يمتصون دماء بعضهم البعض وأيضاً الازدواجية الأخلاقية والنفاق السائد الذي يجعل الأحكام المسبقة تهمين على حياة الناس.

المسلسل لا يسيء لا لوزارة الداخلية ولا للشرطة ولا للمرأة المصرية بل على العكس إنه يفضح مظاهر الفساد في المجتمع من جميع النواحي ويبرز الأسباب الحقيقة للدعارة وللقتل وترويج المخدرات والأهم أنه يسلط الضوء على الضحايا، ويظهر من هم الأشخاص المسؤولين عن كل ما يحدث، بالنسبة لي هذا المسلسل يكرم المرأة ويدافع عنها.

إنه من أفضل المسلسلات المصرية التي شاهدتها لدرجة أنني لا أمانع أن أشاهده لمرة ثانية وأتمنى أن يتم إنتاج وكتابة جزء ثان للمسلسل خصوصاً أنه يوجد الكثير الذي يمكن إضافته، فمثلاً يمكن عمل جزء ثان للمسلسل بعد ثورة 25 يناير حيث سوف تتخد بطلات الفيلم بدء حياة جديدة.
القصص الدرامية مؤثرة وجودة الصورة عالية. الحوارات العامية جريئة ومباشرة وشفافة ويوجد صدق كبير في الطرح الذي ابتعد عن الابتذال والإثارة المجانية. الموسيقى التصويرية للفيلم مؤثرة جداً وأروع شيء هو أن المسلسل حصل على حقه من المشاهدة والمتابعة بحيث كان من أنجح مسلسلات رمضان 2014 بحيث تم عرضه في الكثير من القنوات.


يمكن مشاهدة حلقات المسلسل الثلاثون هنا.
- توجد ترجمة إنجليزية للمسلسل متاحة مجانا في اليوتيوب على نفس القناة.

No comments:

Post a Comment

تُسعدني مشاركتك و إضافتك في المدونة
أشكرك على تعليقك^_^